سورة الثناء

من أجزاء الصلاة الثابتة في جميع الشرائع السماوية، قراءة آيات كتبهم المقدسة. والقرآن أیضاً یشیر الی العلاقة الوثيقة بين الصلاة وتلاوة كتاب الله من خلال ذکرهما معاً[1] ویمدح اليهود والنصارى الذين يتلون آيات كتابهم في عباداتهم وهم ساجدون[2]، ويطلب من أتباعه أن یقوموا الليل للعبادة ویلتزموا بتلاوة القرآن[3].

أول عمل ضروري بعد تكبيرة الإحرام في جميع الصلوات المفروضة والمستحبة هو قراءة أهم سورة في القرآن، وهي «الحمد» أو «فاتحة الكتاب»[4]. سورة تحتوي على ملخص تعاليم هذا الکتاب والكتب السماویة الأخرى وبُنيته تظهر لنا أنّه تمّ ترتيبه بغرض الحمد والتسبيح والدعاء في حالة مثل الصلاة.

هذه التحفة الفنیّة الرائعة، بالرغم من کونها قصیرة موجزة، تحتوی بحرًا لا نهاية له من الوعي الروحي ويشرح ثلاث قضايا مهمة بأجمل وأدق التفسيرات، هي نقطة انطلاق الحياة والوجهة النهائية لها وطريقة السیر في هذا الاتجاه. والطلب الوحيد المذكور في هذه السورة[5] أیضاً يتعلّق بفلسفة الحياة ويؤكّد على أهمية العيش بطریقة صحیحة.

إن وصف الله بالرحمن والرحيم في بداية السورة والتأكيد مرّتین علی رحمته من بین أسمائه وصفاته الأخرى یؤیّد ما بیّناه سابقاً من مركزية الرحمة في نظام الوجود[6]. وتكرار هاتين الصفتين في الآية الثالثة[7] لا يدع مجالاً للشك في هذه النقطة ويدلّ علی أنّ الهدف من تلاوة هذه السورة والمناجاة بها هو مزید الاستفادة من ینبوع الرحمة الفوّار هذا.

هذه الوجهة للنظر الی الصلاة تحوّل شكرنا وثنائنا علی الله[8] من تظاهر بدافع الإکراه إلى تقدير صادق یتمّ التعبیر عنها عن ارتياح والشعور بالرضا لكوننا في نظام جميل وحكيم. وهذا يزيد من دافعية الإنسان وقدراته على الاستسلام لتخطیط یحرّك جمیع أجزاء الوجود وعوالمه نحو هدف محسوب[9].

وللنجاح في هذا الطريق، لا بدّ من الاستسلام[10] للحقيقة التي تشمل الوجود كلّه، والاستعانة بفضله ولطفه[11]. ومن لطفه أنّه منحنا نعمة الاهتداء الی هدف الخلقة من قبَل أشخاص مختارين[12] الذین جعلهم في مقام أمین لا یحرمون فیه من الرحمة و لا يضلّون فیه عن أسلوب الحياة الصحيح[13].

على الرغم من اختلاف آراء المسلمين حول ضرورة وطريقة قراءة سور أخرى من القرآن في الصلاة، إلا أنّ الجميع يعتبرون قراءة آيات بالإضافة إلى سورة الحمد تقليدًا مفضّلاً للغاية. وعلى هذا فينبغي أن نكمّل تلاوة القرآن في صلاتنا بقراءة سورة أخرى من هذا الكتاب الكريم ونقرأ البسملة في ابتداء تلك السورة.

التالی: مع سجود الكون

السابق: في حرم الکبریاء

العودة إلى الفهرس

 

المكتبة الإسلامية: معرفة الإسلام


[1] . اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ (العنکبوت: ۴۵)

[2] . لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (آل عمران: ۱۱۳)

[3] . فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ (المزمل: ۲۰)

[4] . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ‎﴿١﴾‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‎﴿٢﴾‏ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ‎﴿٣﴾‏ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ‎﴿٤﴾‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ‎﴿٥﴾‏ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ‎﴿٦﴾‏ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ‎﴿٧﴾‏ (الفاتحة: ۷-۱)

[5] . اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (الفاتحة: ۶)

[6] . الصلاة من زاوية أخرى (الفصل ۳)

[7] . الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (الفاتحة: ۳)

[8] . الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الفاتحة: ۲)

[9] . مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة: ۴)

[10] . إِيَّاكَ نَعْبُدُ (الفاتحة: ۵)

[11] . وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة: ۵)

[12] . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (الفاتحة: ۷)

[13] . غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (الفاتحة: ۷)