الركن الأول والأهم في أي عبادة هو النية. يعتبر القرآن النوايا النقية أساساً لعبادة الله[1]، ويعتبر الصلاة والزكاة وغيرهما من الشعائر بمثابة البناء الفوقي لها. وذلك لأن شجرة الإيمان والروحانية لا تسقى إلا بدافع سليم[2]، ولا تنضج ثمار الأعمال الصالحة إلا في قلب طاهر سليم[3].
النية هي التركيز على الهدف. وکون النية ركناً من أركان العبادة، يعني أنّ العمل، ولو كان له مظهر جميل وقدسي، إذا كان عادةً وعلى غير اختيار، أو بقصد غير التقرب إلى الله تعالی، فإنه لا قيمة له ولا فائدة منه[4]. والصلاة ليست استثناءً من هذه القاعدة ويجب أداؤها بوعي كامل[5] ودافع صحيح[6].
وهذه الطریقة في النظر توسّع نطاق العبادة إلى ما یتجاوز من أفعال محدّدة، ويشمل كل لحظات حیاتنا[7] وكل سلوك يصاحبه مثل هذا الاهتمام والتركيز. وبذلك، ليس فقط الصلاة والدعاء، بل حياة وموتنا[8] أيضًا ستكون لله. وبهذا يحصل الإنسان على دين خالص[9]، ومنهج توحيدي[10]، وتقييم دائم وفق الحقيقة المطلقة[11].
ولكن توهّم وجود تأثير للأمور التافهة[12]، أو التعلّق بالفوائد والملذّات الزائلة[13]، یشكّل في ذهن الإنسان حسابات غير صحيحة، تقوده الی النفاق والریاء[14] وإشراك الآخرين في العبادة[15]. وبجرّه الی وادي النفاق والكفر، ستحبط أعماله الصالحة وتجعلها جهوداً غیر مجدیة كالزراعة على أرض صلبة قاحلة[16].
ولنعلم أنّ للإخلاص مكانة سامية يمكن لکلّ شخص أن يبلغ الی درجات منها بحسب طاقته[17] وجهده[18]. والالتزام بهذه المرتبة سيكون كافياً له لتکون صلواته مقبولة وفعّالة[19]؛ ولكن کما أنّ النيّة النقيّة تؤدّي إلى صلاة أفضل وأثمن، فکذلک المزید من الإهتمام بتعاليم الصلاة ومضمونها يمكن أن يجعل النیّة تتحسّن وترتفع.
إنّ تكرّر درس التوحيد في جميع أجزاء الصلاة والتذكیر بوحدانية الله العظیم الرحيم الذي لا إله ولا مالك ولا مؤثر في الکون إلا هو[20] یقود الشخص الذي یصلّي حقّاً الی أن لا يعتبر عبادته جديرة بالاهتمام أو الفرح[21]، فضلاً عن أن يسرّه مدح الآخرین له بما لم يفعله[22].
التالی: في حرم الکبریاء
السابق: الصلاة والطهارة
المكتبة الإسلامية: معرفة الإسلام
[1] . وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ (البینة: ۵)
[2] . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (النساء: ۱۴۶)
[3] . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الشعراء: ۸۹)
[4] . وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأنعام: ۸۸)
[5] . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (النساء: ۴۳)
[6] . وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (الأعراف: ۲۹)
[7] . الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (المعارج: ۲۳)
[8] . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام: ۱۶۲)
[9] . أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ (الزمر: ۳)
[10] . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام: ۷۹)
[11] . يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (النور: ۲۵)
[12] . وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (الأنعام: ۲۲)
[13] . كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (القیامة: ۲۰)
[14] . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ (البقرة: ۲۶۴)
[15] . وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا (النساء: ۳۶)
[16] . فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا (البقرة: ۲۶۴)
[17] . لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (البقرة: ۲۸۶)
[18] . وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (النجم: ۳۹)
[19] . وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (الإسراء: ۱۹)
[20] . إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (طه: ۱۴)
[21] . لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا … فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (آل عمران: ۱۸۸)
[22] . لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (آل عمران: ۱۸۸)