مواقيت الصلاة

لقد كان الإطار العام وبنية الصلاة هو نفسه في جميع الشرائع السماویّة، ولم یکن لدی الذین خاطبهم القرآن أيّ مشاکل و غموض في ‌طریقة القیام بها. ولهذا السبب لم يذكر هذا الكتاب نقاطاً جديدة في مجال أحكام الصلاة، ولم يغيّر حتّی القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام[1] إلا لضرورة[2] طرأت.

فعندما نقرأ في القرآن: «إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا»[3] یجب أن نعتبرها حقیقة غیر محددة بفترة معیّنة، ولنعلم أنّها تعبّر عن نقطة مهمة حول تقليد قديم في الشعائر التوحيدية التي لا تزال باقیة بین المؤمنین من المسلمین والیهود والزرادشتيین والصابئة وغیرهم، كأساس لإعلان وقت الصلاة إلى اليوم.

المذهب التوحيدي یعتبر قدوم النهار والليل وذهابهما[4] بدلاً من التكرار الذي لا طائل منه، علامةً على الحضور الإلهي وقدرته[5]. ولكي يشمل ذكر الله والتواصل معه كافّة جوانب حياة الإنسان اليومية، یجعل شروق الشمس ووصولها الی منتصف السماء وغروبها[6] من الأوقات الخاصة للعبادة.

وإن أحدثت الطواعين التي سبّبتها الطائفيّة[7] تغيراتٍ في هذا التوقيت، ولکن قد بقي تقليد مشترك بين کلّ الذین یعبدون الله في العالم وهو أن يشتغلوا بالدعاء والصلاة عند الفجر أي في أول النهار، وعند الظهر أي ساعات بعد ذروة الشمس، وبعد غروب الشمس أي وقت حلول الليل.

المسلمون یصلّون خمس مرّات في هذه الأوقات الثلاثة، ویقیمون صلاة الصبح من لحظة انتشار شعاع الشمس[8] إلى وقت طلوعها من الأفق[9] ویصلّون صلاتي الظهر والعصر من وقت وصول الظلّ إلى أقصر طول له[10] حتى تغروب الشمس[11] ویقیمون صلاة المغرب والعشاء من لحظة غروب الشمس[12] إلى منتصف الليل. وأکثرهم بالحقّ یفرّقون بین الظهر و العصر و یقیمون صلاة العصر عندما یصبح ظلّ کلّ شيء مساویاً لنفسه ویؤدّون صلاة العشاء بعد أن تصبح السماء بأکملها مظلمة[13].

إن أهم نقطة يؤكّد عليها القرآن في‌مجال أوقات الصلاة هي المحافظة الدائمة عليها[14] حتى لا تفوت، بل لأن تؤدّی بأسرع وقت ممكن. هذه الدقّة والالتزام، بالإضافة إلى تقوية الإرادة وإعطاء نظام لبرامج الحياة، هو إستسلام لأمر الله ووقایة من الوقوع في ظروف مؤسفة يبدو فیها إهمال الصلاة[15] أمرًا طبيعيًا.

ومن بين الصلوات الخمس، لصلاة الفجر مكانة خاصة. لأنّ اللحظات المليئة بالسلام والطاقة عند الأسحار[16] أفضل فرصة للدعاء والتواصل مع الله، والقرآن یعتبر الصلاة التي تقام عند طلوع الفجر جديرة باهتمام وشهادة أهل الملکوت[17]، كما یعلن أنّ السهر والاستغفار في تلك الساعات وسیلة للوصول الی أعلى المستویات[18].

التالی: الصلاة والطهارة

السابق: کیف یجب أن نصلّي؟

العودة إلى الفهرس

 

المكتبة الإسلامية: معرفة الإسلام


[1] . وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (البقرة: ۱۴۹)

[2] . قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (البقرة: ۱۴۴)

[3] . النساء: ۱۰۳

[4] . إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (آل عمران: ۱۹۰)

[5] . وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (المؤمنون: ۸۰)

[6] . أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (الإسراء: ۷۸)

[7] . فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (المؤمنون: ۵۳)

[8] . حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (البقرة: ۱۸۷)

[9] . وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (طه: ۱۳۰)

[10] . أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (الإسراء: ۷۸)

[11] . فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (ق: ۳۹)

[12] . وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (ق: ۴۰)

[13] . أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ (الإسراء: ۷۸)

[14] . حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (البقرة: ۲۳۸)

[15] . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (الماعون: ۵)

[16] . الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (آل عمران: ۱۷)

[17] . إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (الإسراء: ۷۸)

[18] . إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ … كانوا قَليلًا مِنَ الَّيلِ ما يَهجَعونَ ‎وَبِالأَسحارِ هُم يَستَغفِرونَ (الذاریات: ۱۵ و ۱۷ و ۱۸)