يمكننا دائماً أن نذكر الله[1] في أي زمان وأي مکان ونستطیع أن ندعوه و نسئله[2] بأي لغة أو طريقة. وهو يستجيب الدعوات[3] ويتغمّد من ذكره بالرحمة[4]. ومع ذلك، فإنّ الروحانية ليست مجرّد ترفیه أو أداة لتلبیة الاحتیاجات حتی نتذكّرها في بعض الأوقات وننساها في خضم الحياة اليوميّة[5].
يطلب منا القرآن أن نصلّي حین الفجر وعند منتصف النهار وفي اللیل[6] وأن یکون لدینا جدولاً منتظماً[7] لإبقاء ذکر الله حیاً في قلوبنا. لأنّ الإلتزام المستمرّ بذکر و دعاءٍ یتضمّن التوحيد، یذكّرنا[8] دائماً بالقيم السامیة ويمنع العدید من الانحرافات[9] وينفض غبار الإهمال عن أعيننا[10] ويشفي أمراض نفوسنا وأرواحنا[11].
للقیام بهذا البرنامج یجب علینا أن نقف في أوقات محدّدة[12] نحو المسجد الحرام[13] وهو أوّل بيت بني لعبادة الله تعالی[14] ونتلو آيات من القرآن الكريم[15] بصوت لا يرتفع ولا ينخفض جداً[16] ونسبّح ونحمد[17] الله في حال الركوع والسجود[18]. ويجب الوضوء قبل الصلاة بغسل الوجه واليدين بالماء ومسح الرأس والقدمين[19] أو الغُسل إن كنّا جُنباً. وفي ظروف خاصّة يمكننا التيمّم بالتراب[20] بدلاً من الغسل بالماء.
هذه النقاط القليلة التي ذکرناها هي كلّ ما ذكره القرآن فيما يتعلق بالطريقة والشروط الخارجیّة لأداء الصلاة. ومع ذلک لا توجد مشكلة أو غموض في هذا المجال، وکما نری إنّ مواقيت الصلوات الخمس وأجزائها وعناصرها وعدد الركعات والأذكار الواجبة والآداب الأساسية لإقامتها واضحة لجميع المسلمين ورغم اختلاف الطوائف والمذاهب التي خلقوها، بقیت الصلاة بینهم مشترکة.
ومع ذلك، من الطبيعي أن يكمن في هذا الموضوع، كأيّ مسألة تاريخيّة أخرى، غموض واختلاف في الآراء، يستحيل حلّ معظمها؛ ولكن بما أنّ هذه القضايا الثانوية لا تغيّر روح العبادة وهدفها، فبدلاً من الدخول في جدالات عقيمة، يجب أن نعتمد علی القواسم المشترکة وبعد ذلک على کل شخص أن یختار بقدر وسعه و طاقته[21] ما یعتقد أنّه الأصحّ ویرکّز جهوده علی اکتساب المزید من الخشوع وحضور القلب[22].
عندما نتدبّر القرآن نری أنّ هذا الکتاب بدلاً من تعلیمنا الأحکام و کیفیّة أداء الصلاة، يؤكّد على إقامة الصلاة[23] التي یبدو أنّ المستمعین علی درایة بها بالفعل. وهذا یدلّ على أنّ الإطار العام للعبادة التي کان الأنبياء الآخرون أیضاً یلتزمون بها مشترکة وعلی سواء. ولذلك ركّز هذا الكتاب على زیادة تأثیر تلک الصلاة الشائعة والمعروفة[24].
كتابٌ يعتبر الأديرة والكنائس[25] مقدسةً کالمساجد لوجود رائحة ذکر الله الطیبة فیها ويعتبر المصلّین من المسيحيين واليهود أناساً صالحین[26]، رغم أنّهم ما زالوا متمسّكين بشرائعهم الدينية الماضية، ويمدحهم على سجودهم وتلاوتهم لآيات كتابهم[27]، فبالتأكيد يقبل ویحبّ الصلوات المختلفة التي تقام بنیات صادقة.
التالی: مواقيت الصلاة
السابق: أعذار لترك الصلاة
المكتبة الإسلامية: معرفة الإسلام
[1] . يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثيرًا (الأحزاب: ۴۱)
[2] . ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ (الأعراف: ۵۵)
[3] . وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ (البقرة: ۱۸۶)
[4] . فَاذكُروني أَذكُركُم وَاشكُروا لي وَلا تَكفُرونِ (البقرة: ۱۵۲)
[5] . وَاذكُر رَبَّكَ في نَفسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً وَدونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ بِالغُدُوِّ وَالآصالِ وَلا تَكُن مِنَ الغافِلينَ (الأعراف: ۲۰۵)
[6] . أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلوكِ الشَّمسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كانَ مَشهودًا (الإسراء: ۷۸)
[7] . الَّذينَ هُم عَلىٰ صَلاتِهِم دائِمونَ (المعارج: ۲۳)
[8] . إِنَّني أَنَا اللَّهُ لا إِلٰهَ إِلّا أَنا فَاعبُدني وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكري (طه: ۱۴)
[9] . وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنهىٰ عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ (العنکبوت: ۴۵)
[10] . تَبصِرَةً وَذِكرىٰ لِكُلِّ عَبدٍ مُنيبٍ (ق: ۸)
[11] . يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ (یونس: ۵۷)
[12] . إِنَّ الصَّلاةَ كانَت عَلَى المُؤمِنينَ كِتابًا مَوقوتًا (النساء: ۱۰۳)
[13] . وَمِن حَيثُ خَرَجتَ فَوَلِّ وَجهَكَ شَطرَ المَسجِدِ الحَرامِ (البقرة: ۱۴۹)
[14] . إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وَهُدًى لِلعالَمينَ (آل عمران: ۹۶)
[15] . إِنَّ الَّذينَ يَتلونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقوا مِمّا رَزَقناهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجونَ تِجارَةً لَن تَبورَ (فاطر: ۲۹)
[16] . وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها وَابتَغِ بَينَ ذٰلِكَ سَبيلًا (الإسراء: ۱۱۰)
[17] . إِنَّما يُؤمِنُ بِآياتِنَا الَّذينَ إِذا ذُكِّروا بِها خَرّوا سُجَّدًا وَسَبَّحوا بِحَمدِ رَبِّهِم وَهُم لا يَستَكبِرونَ (السجدة: ۱۵)
[18] . يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اركَعوا وَاسجُدوا وَاعبُدوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ (الحج: ۷۷)
[19] . يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ فَاغسِلوا وُجوهَكُم وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرافِقِ وَامسَحوا بِرُءوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ (المائدة: ۶)
[20] . وَإِن كُنتُم مَرضىٰ أَو عَلىٰ سَفَرٍ أَو جاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الغائِطِ أَو لامَستُمُ النِّساءَ فَلَم تَجِدوا ماءً فَتَيَمَّموا صَعيدًا طَيِّبًا فَامسَحوا بِوُجوهِكُم وَأَيديكُم مِنهُ (المائدة: ۶)
[21] . لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلّا وُسعَها (البقرة: ۲۸۶)
[22] . الَّذينَ هُم في صَلاتِهِم خاشِعونَ (المؤمنون: ۲)
[23] . وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاركَعوا مَعَ الرّاكِعينَ (البقرة: ۴۳)
[24] . وَأَوحَينا إِلىٰ موسىٰ وَأَخيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَومِكُما بِمِصرَ بُيوتًا وَاجعَلوا بُيوتَكُم قِبلَةً وَأَقيمُوا الصَّلاةَ (یونس: ۸۷)
[25] . وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذكَرُ فيهَا اسمُ اللَّهِ كَثيرًا (الحج: ۴۰)
[26] . يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَيَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَأُولٰئِكَ مِنَ الصّالِحينَ (آل عمران: ۱۱۴)
[27] . لَيسوا سَواءً مِن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيلِ وَهُم يَسجُدونَ (آل عمران: ۱۱۳)